طباعة هذه الصفحة

التهريب وهذا المنطق المريب..!

25 آب/أغسطس 2019

تتحرك الحكومة لمواجهة ظاهرة «التهريب « فترتفع اصوات واحتجاجات تطالب بالغاء القرار. هل اصبح تهريب الاسلحة والدخان والمخدرات واحدة من المكتسبات المشروعة، هل من حق الاخرين الذين يسكنون قرب المعابر الاخرى ان يطالبوا بحقهم في العمل والترزق على حساب التهريب..؟
هذا المنطق المريب يحدث في بلدنا للاسف حين تراجعت موازين القانون والعدالة، وحين اصبح بمقدور متنفذين ان يلوحوا بأذرعتهم الاعلامية محذرين من ان» القيامة « ستقوم اذا تم تنفيذ القانون.
صحيح، من حق هؤلاء المواطنين الذين وجدوا ابواب الرزق الحلال مغلقة في وجوهم فدخلوا من شبابيك التهريب لتوفير ما يلزمهم لحياة كريمة ان يطالبوا الحكومة بفرص للعمل، او بحلول بديلة، لكن من غير المعقول ان يقال بان هذه حرفتهم التي اعتادوا عليها منذ عشرات السنوات، لان ذلك ببساطة يعني ان التجارة غير المشروعة التي يدفع ثمن انفلاتها الناس من طعامهم ودوائهم اصبحت مسموحة « بدمغة» الدولة لفئات محددة من الناس، وبموافقة المجتمع او تواطئه لا فرق.
لا يخطر في بالي ايضا ابدا ان ادافع عن مقررات حكومية، لكنني استأذن بتسجيل ملاحظتين اثنتين: الاولى ان ما حدث من ردود على قرار منع التهريب لا يتعلق كما فهمت بتحديد ادخال «كروز» دخان واحد، هذا تسطيح للقضية، وانما يتجاوزه الى استهداف « صناعة ثقيلة « تتعلق بالدخان تحديدا والتهريب بشكل عام، وهذه الصناعة الثقيلة يقف خلفها « حيتان « كبار صدمهم القرار فانتفضوا ضده.
اما الملاحظة الاخرى فتتعلق بدور الحكومة في اقناع المواطنين باجراءاتها، ليس فقط عشية اصدار القرار وانما ايضا بعد الاحتجاج عليه، لا اقول هنا فقط بان الحكومة قصرت في ذلك، وانما اضيف بان عدم ثقة المواطنين بالمقررات الرسمية فتح المجال امام الكثيرين - ومنهم سياسيون واعلاميون - الى معارضة القرار والتخويف منه، ثم المطالبة بالغائه، تصور ان تسمع من «عقلاء» ان وقف التهريب مسألة تحتاج الى اعادة نظر.
اضم صوتي، بالطبع، لكل الاصوات التي طالبت الحكومة بملاحقة الفاسدين والتجار المتهريبن من دفع الضرائب، والاخرى التي دعت الى اصلاح اقتصادي ( دعك الان من الاصلاح السياسي ) يتجاوز منطق فرض المزيد من الضرائب، ويتوجه الى تنمية حقيقية واستثمار نافع ومدروس، ثم لا يراودني اي شك بان الناس دفعوا ثمن اخفاق الحكومات في هذا المسار، وان جزءا من ردودهم نتيجة طبيعية لهذا الاخفاق الذي لم يترك امامهم فرصة للتمييز بين ما هو صحيح، وما هو غير صحيح من القرارت الحكومية.
افهم ان البلد يمر في مرحلة « احتقان «، وان الاوضاع الاقتصادية اثقلت عبء الناس وزادت من توترهم، لكن هذا الوضع بالذات يجب ان يدفع الحكومة الى الاصرار على اغلاق كل الابواب التي يدخل منها الفساد وهواميره الكبار، باسم التهريب او غيره من الوسائل غير المشروعة، وان تتعامل بحكمة وعقلانية مع اي احتجاجات سلمية، وان لا تترك « المجال « لهواة البحث عن الشعبية واصحاب تسديد الفواتير ان يملأوا الفراغ الذي تركته، من اجل تحشيد الناس ضد القانون، او الدفاع عن منطق « التهريب « الاعوج والمريب.

مواضيع