69

 الامان

 

136397 Corporate banner sizes Artboard 21 970.00x250.00px

00000000000000066

 

مسبحتنا خيط

25 آب/أغسطس 2019

من الأغاني الطريفة التي كنا نزف بها عريسنا الزاهي، تحت مظلته المدعمة بالبالونات وندف القطن، والشبر الملون، و(ورق الكرنيش) والدناديش، وبعض الورود. كنا نغني بنبرة مشحونة بالتحدي (هون فرطت مسبحتي، هون لمولي إياها). فهل جربتم أن تلموا مسبحة، تناثرت حباتها بين الأقدام في زفة صاخبة؟؟!. 
لا أحبذ أن أظهر مسبحتي الغالية على قلبي، ليس لأني أخشى عليها أن (تنفرط) في هذا الزحام، الذي ينتابنا الآن. بل لأنك حين تقف مع أحدهم، فهو ولا شعورياً، يمد يده ويأخذها منك. يتأملها، ويداعب شراشيبها، ويتفحص حجارتها، ويسألك: هل هي مطعمة بالفضة؟!، فتهز رأسك بنعم. ثم يسوق عليها شوطاً من الكركرة، ويغافلك بالكلام، ويدسها في جيبه (وراحت عليك حبيبي راحت عليك).
في سوق شعبية كنت أتردد على باعة المسابح. أسأل وأستفسر عن كل شاردة في هذا المجال، حتى كدت أصير خبيرا بأنواعها قادراً على أن أعرف الياقوت من السندلس من الفيروز والزبرجد والحجر الكريم، بل وأن أفصل الألون الطبيعية عن الصناعية مهما كانت دقة صنعها، وأميز المسابح التي تفوح عطرا، كلما فركت حجارتها في راحتيك، وأقدر قيمتها، وثمنها.  
ذات جولة قال لي بائع مسن متغضن الوجه وقور: يا ابني (المسبحة خيط). أي عليك أن تنتقي خيطاً لمسبحتك يكون قوياً، فلا فائدة من مسبحة تنقطع مع أول دورة دبكة. ولهذا دعمت مسبحتي بخيط متين كي أدبك بها طوال سنين. 
نحن في العادة نلتفت إلى حجارة المسبحة، وقيمة حباتها، وألوانها. ولا نلتفت إلى الخيط الذي ينظم هذه الحبات، فهو متوار، مخفي عن الأنظار، لكنه موجود، لا نحس به إلا حين ينقطع. وعندها فإن السبحة لن تعود سبحة، والعقد لن يعود عقداً، بل مجرد حبات متناثرة تطأها الأقدام ويعفرها التراب.
وما أسهل أن تنفرط المسبحة، إن كان خيطها هزيلاً، وإن كثرت عليه قوى الشد والشد العكسي و(المخاطفة)، فما أسهل أن تنفرط مسبحتنا، حتى ولو كانت ملونة، ومطعمة بالذهب والفضة، تفوح عطراً وعبيراً. 
ربما لا نخاف على مسبحتنا، من يد الغرباء تتخطفها، وتغافلنا تدسها في جيبها، ولكن نخاف علينا منا. فهل نحافظ على وحدتنا الوطنية، الخيط الذي يبقينا بلداً قوياً، تنتظم فيها الحبات بكل ألوانها وأشكالها ولا تنفرط؟!. حفظ الله خيطنا.i